حاورته: فائزة مصطفى
في حوار خصّ به “نفحة”، يتحدّث بيار مونسات، رئيس جمعية موريس أودان، وعضو مجلس بلدية باريس؛ عن أهدف الوقفة الشعبية في ساحة أودان بباريس يوم 11 جوان 2018، حيث تجمّعت أهم الشخصيات السياسية والثقافية الفرنسية لإحياء الذكرى الــ 61 لاعتقال أبرز شهداء الثورة الجزائرية، ويكشف عن آخر التحقيقات في قضية تعذيب ومقتل هذا المناضل المفقود على يد “المظليين”، ويرى أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة، أعطت أملاً لاعتبار ما حدث جريمة دولة، ارتكبها الجيش الفرنسي، وراح ضحيتها أيضا أكثر من ثلاثة آلاف جزائري عذّبوا، ثم أخفيت جثّتهم، خلال معركة الجزائر الشهيرة، كما يناشد سلطات البلدين، للتنقيب عن الجثّة، من أجل تحقيق أُمنيّة جوزات أودان أرملة موريس أودان وأبنائها، في كشف الحقيقة.

قمتم بتدشين ساحة عامة تح مل اسم شهيد الثورة الجزائرية في الدائرة الباريسية الخامسة في عام 2004، كيف استطعتم تحقيق ذلك؟
أنتخبت في المجلس البلدي لمدينة باريس عام 1995، وبعد خمسة أعوام أصبحت نائبا لرئيسها بارترون دولانوي، لأني كنت متأثرا بقصة موريس أودان، أدركت بأنها الفرصة المناسبة لفتح ملفه مجددا، اتصلت بعالم الرياضيات لوران شواردز والمؤرخ بيار فيدال ناكي، كانا حينها على قيد الحياة، وأعدت بعث لجنتهما التي تكفلت بالتحقيق في قضية أودان منذ ستينيات القرن الماضي، وبدأنا العمل من أجل مشروع إطلاق اسمه على ساحة في العاصمة الفرنسية، هكذا انضمت إلينا شخصيات علمية وسياسية وثقافية وعسكرية سابقة، ناهضوا الاستعمار، فصوّت المجلس البلدي على مشروعنا بالأغلبية، ودشّنا الساحة عام 2004 بحضور عائلة أودان وزملائه المناضلين في سبيل استقلال الجزائر.
وهل من جديد عن مشروع إقامة تمثال يخلد هذا المناضل، والذي عرف أيضا بنباغته في علم الرياضيات؟
لقد اقترحت وضع لافتة تذكارية خلال تدشيننا للساحة عام 2004، لكن الشرطة لم تمنحنا تصريحا بسبب ما تضمنه النص المكتوب عليها، لأنه يدين حسبها الجيش الفرنسي بممارسة التعذيب والقتل خلال الثورة الجزائرية. عندما عادت القضية إلى الواجهة اليوم قدمنا اقتراح إقامة تمثال له، إلى نائبي رئيسة البلدية آن هيدالغو ثم عرضناه على المجلس البلدي، وذهلت بتصويت جميع الأعضاء بالموافقة رغم اختلاف انتماءاتهم السياسية. في بداية شهر جويلية القادم سنجري تصويتا آخرا حول شكل اللافتة التذكارية المرفقة، وسندشنهما بمقبرة العظماء “بار لاشاز” الشهيرة في الخريف المقبل، لأننا بحاجة إلى فتح مناقصة حول المشروع، ودعوة الفنانين لتقديم مقترحاتهم، ثم أخذ الموافقة النهائية من السيدة جوزات أودان وأبنائها بيار وميشال.

بعد 14 سنة، عدتم يوم الإثنين11 جوان 2018 إلى نفس المكان حيث تشارك أهم الشخصيات السياسية والثقافية الفرنسية، في وقفة تدعو الحكومة إلى اعتبار إغتيال أودان جريمة دولة، بعد مرور أكثر من ستين سنة؟
في الحقيقة لم يحدث تقدما كبيرا، في كل مرحلة تتوجه السيدة أودان بندائها إلى الحكومات المتعاقبة، بعد رسالتها إلى الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، إلتقت الرئيس السابق فرانسوا هولاند ودعتهما إلى الاعتراف بتعذيب زوجها حتى الموت من قبل الجيش الفرنسي واعتبار ذلك جريمة دولة، ولحد الآن لم ننجح في الحصول على رد فعل إيجابي، ولو أن فرانسوا هولاند قام بخطوة حينما وضع باقة ورد في ساحة موريس أودان خلال زيارته الرسمية للجزائر، ثم في تصريح له اعتبر القصة التي تبناها الجيش حول فرار أودان من المعتقل “أكذوبة دولة”، وأكد بأنه قضى نحبه أثناء اعتقاله. لكن هذا يعلمه الجميع، وتعرّض له نحو 3000 جزائري اعتقلوا خلال معركة الجزائر، التي قادها الجنرال ماسو ثم اختفوا بعدها. لذلك قررنا إثارة الرأي العام عبر تأسيس جائزة “أودان” علمية، توزع كل سنتين على باحثين أحدهما جزائري والآخر فرنسي من أجل توطيد علاقات الأخوة بين البلدين، ولتخليد ذاكرة هذا المناضل الذي كان نابغة في علم الرياضيات وموعودا بمستقبل زاهر.
وماذا عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أسر إلى النائب سيدريك فيلاني وهو عضو في جمعيتكم عن اقتناعه بفرضية التعذيب، ووعد بتسوية هذه الفترة التاريخية في تصريح نشرته وسائل الإعلام في فيفري الماضي؟
لقد بعث تصريحه الأمل مجددا فينا، ولذلك وقفتنا الشعبية وسط باريس تهدف إلى إبقاء شعلة الأمل متقدة، لكن لا أخفي قلقنا، فبعد لقائنا مع مستشاريه في الإليزي اكتشفنا بأنهم يسعون إلى جمع الأدلة، لإثبات ما حدث هو فعلا جريمة دولة، وسيقومون بمساءلة المؤرخين وشهود عايشوا تلك الفترة، أنا أرى هذا مجرد مضيعة للوقت، كل تفاصيل القضية معروفة منذ 1958 حينما أصدر المؤرخ بيار فيدال ناكي كتابه، وهناك شهادة المناضل هنري علاق الذي أكد بأنه التقى موريس في مركز التعذيب وهو في حالة يرثى لها، لن نجد أبدا وثيقة تثبت تلك الوقائع لأن الجلاد لم يكتب تقريرا ليشرح فيه خنق هذا المناضل أو يؤكد موته بذبحة قلبية مثلا.. نحن متخوّفون من أن يردّنا ماكرون كما فعل سابقوه. نتمنى أن يتحرك الرأي العام ووسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية، بفضل الرسالة التي بعثتها له شخصيات هامة ثم بفضل وقفتنا في وسط باريس.
أكد الرئيس الفرنسي ماكرون استعداده للاعتراف بجريمة الدولة، لكن اشترط وجود أدلة، هل وضعت وزارة الدفاع الفرنسية أرشيفها في متناولكم؟
لقد عاين المؤرخ بيار فيدال ناكي، ومحامو عائلة أودان كل الأرشيف، ولم يعثروا على أية وثيقة، ربما نجد الحقيقة في الأرشيف الشخصي لعائلة ماسو أو أوساريس أو غيره من العسكريين، الذين حضروا الواقعة، نرجو منهم أن يدلوا بها ولو بطريقة غير مباشرة، وربما قد تحرر تصريحات ماكرون عقدة الخوف لديهم، وتدفعهم نحو التخلص من تأنيب الضمير، والمعركة طويلة أمامنا لأن ما حدث للآلاف من الجزائريين الذي عُذبوا ثم أُخفيت جثثهم خلال معركة الجزائر، لم يكن مجرد ممارسات فردية لجنود ساديين، بل كان عملية منظمة تلبية لأوامر سياسية.

عرفت قضية أودان منعطفا كبير مؤخرا حينما نشرت صحفية لومانيتي شهادة ملازم فرنسي يدعى جاك جوبي، يعتقد بأنه هو من قام بدفن موريس أودان في صيف 1957، وأبدى استعداده للذهاب إلى ضواحي الجزائر العاصمة للمساعدة على العثور على الجثمان، هل تفكرون في تحقيق طلبه؟
هذا ما نريده فعلا لاسيما وأن الرجل عجوز تجاوز الثمانين من عمره، وهو مستعد ومتحمس للسفر إلى الجزائر، وما نريده هو مساندة سلطات بلدكم لنا، بتوفير الوسائل الضرورية للبحث والتنقيب عن جثة أودان في تلك المنطقة، ثم إذا ما عثرنا عليها سنقوم بتشريحها وتحديد هويتها ومعرفة أسباب الوفاة، لكن من الضروري أن يكون هناك تنسيق بين الحكومتين، ويجب أن أثني على مساعي السفير الجزائري في باريس الذي يتجاوب معنا، ويرسل ممثلا عنه في كل مبادرة نخصصها للقضية، ولذلك أنا واثق ومتفائل بهذا التعاون، ويتعيّن على فرنسا القيام بالخطوة الأولى وهي الاعتراف بمسؤوليتها في تعذيب موريس حتى الموت.
نلاحظ غياب السلطات الجزائرية عن هذا الملف، إذ لم تقم بأي إجراءات لاستكمال التحقيق، أو التنقيب عن جثته منذ ستة عقود، لماذا في نظركم؟
إن موريس أودان معروف جدا في الجزائر كمناضل أوروبي ضحى بنفسه في سبيل استقلالها وأحد شهداء ثورتها، ولو أن الجيل الجديد من الجزائريين لا يعرفون الكثير عنه. لقد قرأت تصريحا لمسؤول جزائري مؤخرا أكد فيه بأنه يعتبره جزائريا مثله، وهذا كان إحساس موريس تماما فلبّى نداء الثورة. أنا لا أستطيع الحديث عن السياسة التي تتبناها الجزائر حول هذا الملف، لكن أؤكد بأن باريس هي المسؤولة عن الخطوة الأولى لحله.
طالما يوصف موريس أودان وهنري علاق و هنري مايو وفرناند ايفتون وجاكلين قروج وغيرهم من المناضلين ذوي الأصول أوروبية بأصدقاء الثورة، لماذا لم يتم حسم مسألة مواطنة هؤلاء رغم أن بعض من بقى حيا منهم، حمل الجنسية الجزائرية بعد الاستقلال ؟
أعتقد أن ذلك راجع إلى التاريخ الذي لم يحسم بعد. صحيح، لقد كان موريس أودان أوروبيا وموظفا فرنسيا في جامعة الجزائر، ولكنه كان جزائري الانتماء وحارب من أجل الاستقلال عن فرنسا، ولذلك من الضروري تسوية مسألة ما ارتكبه الاستعمار من جرائم، ويجب أن تعترف الحكومة الفرنسية بأن التعذيب الذي مورس خلال الثورة الجزائرية، كان تنفيذا لقرارات أعلى السلطات السياسية، وتورّط فيه حتى الشباب الذين جنّدوا آنذاك لتأدية الخدمة الوطنية في الجزائر، وسبّب لبعضهم مشاكل نفسية كبيرة، مازالوا يعانون منها إلى يومنا هذا، بسبب هول ما رأوه، ولذلك ستكون قضية أودان هي المفتاح الذي سيخلصنا من ذلك التاريخ المؤلم والصعب.
إذا ما عثر على جثمان موريس أودان يوما ما، أين سيدفن يا ترى؟
في الحقيقة، يعود هذا القرار إلى السيدة جوزات وأبنائها ميشال وبيار ، لكن أعتقد بأنهم سيختارون بلا تردد بأن يوارى الثرى في تراب الجزائر، لأنها بلاده التي مات من أجلها وكان سيساهم في بنائها لو عاش بعد استقلالها.